إشكالية التنمية و الحكم الراشد في الجزائر
3) الشفافية: وتعني فسح المجال أما المواطنين بالتعرف على المعلومات الضرورية التي تهم شؤون حياته، مثل حق المواطن في الإعلام ومشاركة المواطنين ومساهمتهم في رقابة المجالس الشعبية والوطنية والمحلية في الإطلاع على محاضر الجلسات التي تعقد دوريا في مجالسهم، والهدف من وراء ذلك هو العمل على مشاركة المواطنين في إبداء الآراء على المهام.
4) المحاسبة: تتطلب المحاسبة أو المساءلة القدرة على محاسبة المسؤولين عن إداراتهم للموارد العامة وعن المهام الموكلة إليهم وعن النتائج المتوصل إليها ضمن مسارهم الوظيفي وعن المسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقهم، والهدف من المساءلة هو محاسبة المسؤولين عن الأموال العمومية زيادة على حماية الأموال العمومية من العبث الذي قد يطال هذه الأموال وبالتالي الحد من الانتهاكات التي قد تحدث من حين لآخر لبعض المسؤولين نتيجة تصرفهم بطرق غير شرعية وهذا مصداقا لمقولة: من أين لك هــذا؟
3- واقع التنمية والحكم الراشد في الجزائر: في حقيقة الأمر يكاد يجمع المهتمون بالشأن الجزائري أن الآليات والأسس التي يرتكز عليها الحكم الراشد ليست محققة إلى حد بعيد في الجزائر، فهذه الآليات عندما نريد إسقاطها في الجزائر وخاصة ما يتعلق منها بالمشاركة السياسية فهي مفتوحة للجميع على الأقل فيما هو مكرس في الدستور وهو الحق في إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي.
أما من ناحية حكم القانون فلا يمكن الجزم بأن هذه الآلية مطبقة بحذافيرها حيث مازالت العلاقات القربية والعشائرية تسود مختلف أشكال التوظيف هذا من جهة وكذلك التلاعب بالصفقات العمومية لاسيما في منح المشاريع ذات الطابع الاقتصادي للشركات العمومية والخاصة من جهة أخرى.
أما فيما يتعلق بمفهوم الشفافية التي هي نتيجة منطقية لأساس حكم القانون، فبالرغم من وجود مراكز متخصصة في إصدار ونشر بيانات حول ما تتوفر عليه الجزائر وفي حق المواطن في الإطلاع على المعلومات، فمازالت الجزائر بعد لم تصل إلى هذا المستوى.
لكن هذا لا يمنعنا من ذكر بعض المزايا الإيجابية التي حققتها الجزائر للوصول إلى مفهوم الحكم الراشد خاصة فيما يتعلق من الناحية الاقتصادية أين تتوفر البلاد على وفورات مالية كبيرة لاسيما احتياطي الصرف الذي بلغ نهاية جوان 2008 ما قيمته 133 مليار دولار وصندوق ضبط الإيرادات الذي قارب 4000 مليار دينار، بالإضافة إلى المخطط الخماسي لدعم النمو الاقتصادي والذي صرف منه لحد الآن 150 مليار دولار حسب آخر الإحصائيات.
كما يمكن تسجيل بعض المشاريع الواعدة في تنمية المناطق المعزولة منها على الخصوص مشروع الطريق السيار شرق – غرب وصندوق تنمية مناطق الهضاب العليا وصندوق الجنوب.
ومن الناحية السياسية يرى بعض الباحثين في هذا الشأن أن الجزائر فتحت ورشات كبيرة على المجتمع منها : إصلاح هياكل الدولة وإصلاح العدالة وإصلاح التربية والتعليم وهذا كله لتمكين أفراد المجتمع من المشاركة طواعية في تنمية البلاد وبالتالي عندما نقوم بتحليل بعض هذه الإنجازات التي قامت بها السلطات العمومية يمكن القول أن توفير الجوانب السياسية والإجتماعية والاقتصادية في إطلاق هذه المشاريع كفيل بتحقيق متطلبات الحكم الراشد.
والجزائر في هذا الشأن خطت خطوات كبيرة نحو الأحسن فيما يخص توسيع المشاركة السياسية واحترام الإرادة الشعبية وترقية حقوق الإنسان وإيجاد نوع من الإنسجام داخل الهيئات المنتخبة، لكن ما يعاب في كل هذا هو غياب وتغييب مبادئ الشفافية والتسيير العقلاني للموارد والتي ما زالت تشكل نقاطا سوداء كلما أردنا الحديث عن توجيه جهود التنمية في الجزائر، كيف لا والفساد والتبذير والرشوة أو غيرها أصبحت بمثابة قواعد عامة تسير عليها معظم هيئاتنا المحلية والوطنية.
فبالرغم من إصدار قانون يترجم نصوص الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في 2006 والذي قامت الجزائر بوضع جملة من التدابير الرامية لمواجهته، كما قامت أيضا بإصدار مراسيم تطبيقية تحدد تشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وكذا كيفية سير هذه الهيئة.
كما تتمتع هذه الهيئة بالشخصية المعنوية واستقلالية الذمة المالية وتقدم تقارير سنوية عن الظاهرة المستفحلة في الجزائر إلى رئيس الجمهورية.
زيادة على كل هذا قامت الجزائر بإصدار عدة مراسيم رئاسية لمواجهة هذه الظاهرة والحد منها وعلى سبيل المثال لا الحصر قانون مكافحة غسيل الأموال والذي صدر في 05/04/2005 والذي جاء بعد المخلفات الكارثية التي أحدثها بنك الخليفة بعمليات اختلاس وفساد مالي كبير.
وبالنظر إلى هذه الإجراءات التي قامت بها السلطات العمومية نلاحظ أنها غير فعالة وتنتظر وجود آليات فعلية للحد منها حيث لازالت الظاهرة مستشرية في معظم مؤسساتنا الاقتصادية وهيئاتنا الإدارية العامة بل أصبحت هذه الظاهرة لصيقة أكثر بهذه المؤسسات، وما التقارير السنوية التي تصدرها الهيئات الدولية في هذا الشأن كفيلة باستقراء الواقع الجزائري والتي تصنف الجزائر في مراتب أخيرة، فاخر تقرير صدر عن المنظمة الشفافية الدولية في هذا العام منحت الجزائر الرتبة 192 من مجموع دول العالم وبنقطة 2,5 من 10.
ونتيجة لذلك تم إنشاء الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد والتي هي فرع من منظمة الشفافية الدولية والتي تقوم ببذل جهود معتبرة في مجال مكافحة الفساد والتشهير به، والتي أعدت تقارير عن الظاهرة مؤكدة على خطورة الوضع في الجزائر وهذا جراء الانتشار الواسع لكافة أشكال الفساد .
4- تصور حكم راشد وتنمية حقيقية في الجزائر:
1) النهوض بالعامل البشري:
إن الاستثمار في المورد البشري أصبح ضرورة ملحة لكافة الهيئات والمنظمات العالمية وبالتالي أصبح ينظر إليه كقيمة مضافة وتحقيق ناتج وطني وليس تكلفة اجتماعية ملقاة على المنظمة الإدارية، وتطور هذا المفهوم من إدارة الأفراد إلى الموارد البشرية إلى مفهوم آخر ألا وهو تنمية المورد البشري. فلم يعد يقتصر مما سبق على التعليم والتدريب بل امتد إلى مفاهيم أخرى مثل : تطوير أنماط التفكير والسلوك ونوعية التعليم ومشاركة المجموع في اتخاذ القرارات والعلاقات الاجتماعية وطرق وأساليب العمل ومن ثم تعبئة الأفراد والعاملين نحو توسيع مجالات تفكيرهم وزيادة قدراتهم على التحكم فيها.
وبخصوص الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال التكلم عن المفهوم الجديد للموارد البشرية ما دامت مؤسساتنا لم تلتحق بعد بالتقدم الحاصل في الدول المتطورة أين نجد كل الوسائل المتاحة لدى الفرد العامل والتعبير عنها بكل حرية وأين نجد التكفل التام بهذا العامل المحقق للإنتاجية. كما ينظر إليه على أنه القاطرة الأساسية لجميع الإصلاحات، بالمقارنة مع ذلك ما يمكن قوله في الجزائر فلكي نكون موضوعيين بعض الشيء فبالرغم من إصرار السلطات العمومية على التكفل بهذا العنصر وتوفير الوسائل المادية والمالية من أجله لكن لم نلاحظ أثر ذلك على تنميته نفسيا واجتماعيا واقتصاديا بتحقيق درجة الإشباع والدليل على ذلك الإحصائيات السنوية المقدمة من هنا وهناك حول حالة الإحتقان التي يعيشها المئات من إطارات الدولة وحول الميزانية المقدمة للبحث العلمي التي لم تتجاوز 1% في أحسن الأحوال.
فمجال الإهتمام ينصب إذن على جانب الإنفاق الاستثماري في مجال الموارد البشرية، فيكاد يجمع الباحثين في هذا المجال على أهم مجالات الإستثمار في هذا المورد تكمن في التعليم والتكوين والتدريب باعتبار هذه العناصر مجتمعة تحقق فوائد ونتائج على المديين المتوسط والبعيد للفرد والمؤسسة.
وبذلك لزم الإهتمام بهذا المورد أكثر وأكثر للحاق بالدول المتطورة ومن ثم تحقيق تنمية حقيقية للبلاد.
2) تقريب المواطن بالإدارة:
إن الإتصال وقرب المواطن من الإدارة هو السبيل الوحيد لبناء أسس الحكم الراشد فللقضاء على المشاكل الإجتماعية التي يتخبط فيها المواطن في انعدام المرافق العمومية وعدم نجاعتها يكمن في إيضاح علاقات التعاون والإتصال بين المواطن والإدارة، ومنه لا يمكن تصور إدارة بدون علاقات اتصال وقرب مهما كان مستوى تلك الإدارة، لذلك فالهدف الأساسي الذي وجد من أجله الجهاز الإداري عموما هو تلبية رغبات الجمهور وتأمين أفضل الخدمات له، ولما كان ذلك المبتغى فإنه من حق المواطن أن يراقب ويطلع على أداء الجهاز الإداري محليا ووطنيا وذلك بإدلاء رأيه بواسطة المجالس الشعبية المحلية والوطنية التي انتخب فيها، فلذلك ينبغي فتح فضاءات للتفكير والتصور والتقييم والمراقبة لكل ما يتعلق بالعلاقات الداخلية بين المواطنين وذلك قصد تكريس مبدأ الشفافية في التعاملات وهذا لتجاوز الأساليب الكلاسيكية في التسيير وتقديم خدمات ترضي قاصدي تلك المكاتب قصد تطوير إدارة رشيدة يكون المواطن المساهم الحقيقي فيها.
كما يمكن تقريب الإدارة من المواطن كذلك من خلال العمل على ترقية ثقافة تسيير جيدة تحكمها معايير وأنظمة ومبادئ وقيم جديدة منها المردودية والإنتاجية والقدرة التنافسية والكفاءة والإحترافية من جهة، وبناء قواعد واضحة لإشراك مختلف الفواعل في رسم السياسات وصياغتها من جهة أخرى.
3) ترسيخ روح الديمقراطية والمشاركة السياسية:
و هذا من خلال إسهام الأحزاب السياسية في بلورة النقاشات التي تدور داخل المجموعة الوطنية وهذا باحترام الرأي ومراعاة المصلحة العامة، ولا يمكن بلوغ ذلك إلا من خلال إضفاء الرقابة الشعبية التي تتولاها المجالس المنتخبة بشكل حر ونزيه وهذا بتحقيق مكاسب المواطنين.
4) توفر مجتمع مدني فعال:
إذ أن حيوية المجتمع المدني تكمن في قدرته على تأطير المواطنين للعمل الطوعي والمشاركة في التنمية الحقيقية للبلاد، فما هو مطلوب من المجتمع المدني في الجزائر هو السماح لهذه الجمعيات ودعمها بكافة الوسائل نحو هيكلة الفرد وهذا بهدف إشراك المواطن في العمل المشترك في تنفيذ المشاريع مع الأجهزة الرسمية في إطار صنع السياسات المحلية و إضفاء الرقابة و المشاركة في تنفيذ المشاريع.
5) وجود فواعل حقيقية تشترك فيها الصحافة الحرة والتنظيمات المهنية:
فالسلطات المنتخبة التي تتولى تنظيم وتسيير المجالس المحلية بطريقة شفافة تؤدي إلى تفعيل العوامل المشتركة نحو مفهوم الحكم الراشد الذي يتطلب النزاهة في التسيير وحياد الإدارة وغرس روح المبادرة والشعور بالمسؤولية و التزام المسؤول بتقديم الحساب على المهام الموكلة إليه.
6) تطبيق مبدأ الشفافية في التعامل:
وهذا بإلزامية استقلال الهيئة القضائية عن الهيئتين التشريعية والتنفيذية وفتح نقاشات واسعة بين مختلف الفاعلين حول ظاهرة الفساد المستفحلة في شتى الهيئات الرسمية للبلاد، وقصد التخفيف منها لزم تحسين أجور الموظفين العموميون وإقرار مبدأ العدالة في التوزيع لتنشيط برامج التنمية.
الخاتمة:
من خلال ما قلناه سابقا يمكننا الخروج ببعض النتائج منها:
1) أن الحكم الراشد هو الدعامة الأساسية لبلوغ التنمية الشاملة، كما أن تحقيق التنمية يستدعي قيام أسس وآليات للحكم الراشد أو الحوكمة لذلك ربطته الكثير من المنظمات الدولية وخاصة المانحة للمساعدات بتوفير شروط الديمقراطية وترقية حقوق الإنسان.
2) إن هناك آليات وأسس ضرورية تضبط مفهوم الحكم الراشد من بينها: الشفافية وحكم القانون والنزاهة والتسيير الجيد.
3) يجمع أغلب المهتمين بالشأن الجزائري أن البلاد لم تستكمل بعد آليات التنمية بالمفهوم الحقيقي وهذا لا يعني بالمقابل أن قطار التنمية متوقف بل أن الجزائر فتحت ورشات للتنمية من الناحية السياسية كإصلاح قطاع العدالة وهياكل الدولة والتربية ومن الناحية الاقتصادية تحقيق مزيد من الوفرات المالية، إلا أن الجانب الأكبر يبقى يميز المشهد الجزائري هو اعتماده على البترول كمصدر واحد ووحيد للثروة زيادة على اعتبار آخر هو انتشار الفساد وبكل أشكاله ما ولد ضغوطات اجتماعية بسبب الفقر والبطالة والتهميش.
4) يمكن أن يستقيم حكم راشد أو تنمية حقيقية من منظورنا في الجزائر انطلاقا من النهوض بالموارد البشرية وربطها بالمعرفة والتكنولوجيا ثم توسيع المشاركة السياسية وحرية التعبير وكذلك فتح نوافذ على المجتمع المدني والحركات الجمعوية وتوصيل قنوات الحوار بين الإدارة والمواطن إضافة إلى تطوير القدرات الإدارية وهذا كله لتوجيه هذه الفواعل لمتطلبات التنمية المنشودة.
لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
مقدمة:
يعتبر موضوع التنمية من بين أهم المواضيع التي تلقى اهتمام الباحثين في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك اعتبرته المنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة في عام 1986 حقا مكرسا لدى الشعوب كغيره من الحقوق الأخرى، ومنه تسعى الكثير من الدول النامية اللحاق بالدول المتطورة والتي بلغت قياسات كبيرة من التقدم. فبعد أن كان الحديث عن التنمية الاقتصادية الشاملة أصبح الكلام الآن عن التنمية البشرية ومقاييسها ثم التنمية الإدارية وأبعادها، ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل أن التنمية أصبح لها علاقة بالحكم الراشد أو الحوكمة.
وبالتالي في رأي هذا الاتجاه لا تستقيم تنمية حقيقية شاملة ومتوازنة في دولة من الدول بدون تحقيق الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها الحكم الراشد. و الجزائر في هذا الشأن تسير نحو استكمال مشاريع التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وإذا سلمنا بهذا الطرح وجب طرح سؤال مركزي ورئيسي في هذا الإطار:
- إلى أي مدى ساهمت المشاريع التنموية التي أطلقتها السلطات في بعث التنمية والوصول إلى حكم راشد ؟ ويندرج ضمن هذا السؤال أسئلة فرعية منها :
- هل أن آليات وأسس الحكم الراشد محققة في الجزائر؟
- ما هو الواقع المعيشي لدى غالبية أفراد المجتمع بعد الانطلاق في المشاريع التنموية ؟
ولذلك سيكون هذا الملتقى فرصة للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها.
1- مفهوم الحكم الراشد:
يعتبر مصطلح الحكم الراشد في الأدبيات السابقة مفهوما حديثا إذا ما قورن ببعض المصطلحات. فنجده في اللغة الفرنسية مرادف لمصطلح الحوكمة، فبدايات هذا المفهوم جاءت إبان القرن الثالث عشر وانتشر كمفهوم قانوني عام1978 م
ليستعمل بعد ذلك على نطاق واسع معبرا عن تكاليف التسيير .
وفي بداية الثمانينات استخدم من طرف المنظمات المالية الدولية وخاصة من قبل البنك الدولي، إلا أن الأستاذين "جيمس مارش" و "جوهان أولسن" استخدما هذا المصطلح في ميدان العلوم السياسية وهذا عندما نشرا كتابا يحمل عنوان: "إعادة اكتشاف الهيئات" الذي نشر عام 1989 في الو.م.أ وتساءلا من خلاله الباحثان عن كيفية تحديث المنظمات وتكييف الإستراتيجية الجديدة طبقا لتوازن القوى الحاصل في تلك الفترة وربط ذلك كله برشادة الحكم.
ومنذ ذلك الحين أصبح لهذا المفهوم دور كبير خاصة في التصنيفات الممنوحة لكافة الدول في تحقيقها لآليات الحكم الراشد ومن ثم أصبح له معايير تقيم على أساسها الدول وخاصة لدى صندوق النقد الدولي الذي يركز عليه كثيرا حتى في ربط مساعداته للدول النامية بتحقيق شروط الحكم الراشد.
فيقصد بالحاكمية أو الحوكمة إذن أسلوب وطريقة الحكم الجيدة، كما يعني أيضا التسيير الجيد لشؤون منظمة ما قد تكون دولة أو هيئة وطنية أو عالمية، ليكون الهدف من وراء ذلك تحقيق الفعالية والنجاعة.
وقد عرٌف البنك العالمي سنة 1992 الحكم الراشد بأنه: الطريقة المثلى التي يمارس بها السلطة لأجل تسيير الموارد الاقتصادية والاجتماعية لدولة من الدول. ومنه يمكن القول أن الحكم الراشد طبقا لهذه الهيئة ربطت مفهوم الحكم الراشد بعناصر أخرى محققة لنجاحه ومنها: الاستقرار السياسي للدولة وحماية وترقية حقوق الإنسان وتكريس سيادة القانون.
ومن جهة أخرى، ما هي العلاقة بين مفهوم الحكم الراشد والتنمية؟ إن الإجابة على هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر وهو ما مدى توفير آليات الحكم الراشد في دولة من الدول لكي يمكن الحكم لها أوعليها في توفير تنمية مستديمة، لذلك فمن منظورنا أن الحكم الراشد يسير جنبا إلى جنب مع مفهوم التنمية والتي تعني بالأساس توسيع خيارات الناس نحو تحقيق مطامحهم ومداركهم ولذلك لا تستقيم تنمية شاملة ومستديمة بدون توفير الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها مفهوم الحكم الراشد.
2-آليات الحكم الراشد:
لقد أسست المنظمات العالمية النشطة في مجال تقييم الدول على أساس قوتها من ضعفها، ومن بين أهم الآليات التي تعتمدها في هذا الشأن ما يلي:
1) المشاركة: وتعني حق الرجل والمرأة معا في إبداء الرأي في المجالس المنتخبة محليا ووطنيا، ويتطلب عنصر المشاركة توفر حرية تشكيل الجمعيات والأحزاب والحريات العامة والانتخاب، والهدف من كل هذا هو السماح للمواطنين بالتعبير عن أرائهم واهتماماتهم لترسيخ الشرعية.
2) حكم القانون: ويعني سيادة القانون كأداة لتوجيه سلوك الأفراد نحو الحياة السياسية بهدف منع تعارض مهام المسؤولين فيما بينهم وبين المواطنين من جهة أخرى ووضوح القوانين وانسجامها في التطبيق.
وأكثر من ذلك فهو يعني استقلال الهيئة القضائية عن الهيئتين التنفيذية والتشريعية، ومن جراء ذلك عند تحقيق هذه الآلية تؤمن هذه القواعد وبالتالي يرتقي درجة المواطنة إلى مفهوم المساواة بين المواطنين.
يعتبر موضوع التنمية من بين أهم المواضيع التي تلقى اهتمام الباحثين في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك اعتبرته المنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة في عام 1986 حقا مكرسا لدى الشعوب كغيره من الحقوق الأخرى، ومنه تسعى الكثير من الدول النامية اللحاق بالدول المتطورة والتي بلغت قياسات كبيرة من التقدم. فبعد أن كان الحديث عن التنمية الاقتصادية الشاملة أصبح الكلام الآن عن التنمية البشرية ومقاييسها ثم التنمية الإدارية وأبعادها، ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل أن التنمية أصبح لها علاقة بالحكم الراشد أو الحوكمة.
وبالتالي في رأي هذا الاتجاه لا تستقيم تنمية حقيقية شاملة ومتوازنة في دولة من الدول بدون تحقيق الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها الحكم الراشد. و الجزائر في هذا الشأن تسير نحو استكمال مشاريع التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وإذا سلمنا بهذا الطرح وجب طرح سؤال مركزي ورئيسي في هذا الإطار:
- إلى أي مدى ساهمت المشاريع التنموية التي أطلقتها السلطات في بعث التنمية والوصول إلى حكم راشد ؟ ويندرج ضمن هذا السؤال أسئلة فرعية منها :
- هل أن آليات وأسس الحكم الراشد محققة في الجزائر؟
- ما هو الواقع المعيشي لدى غالبية أفراد المجتمع بعد الانطلاق في المشاريع التنموية ؟
ولذلك سيكون هذا الملتقى فرصة للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها.
1- مفهوم الحكم الراشد:
يعتبر مصطلح الحكم الراشد في الأدبيات السابقة مفهوما حديثا إذا ما قورن ببعض المصطلحات. فنجده في اللغة الفرنسية مرادف لمصطلح الحوكمة، فبدايات هذا المفهوم جاءت إبان القرن الثالث عشر وانتشر كمفهوم قانوني عام
وفي بداية الثمانينات استخدم من طرف المنظمات المالية الدولية وخاصة من قبل البنك الدولي، إلا أن الأستاذين "جيمس مارش" و "جوهان أولسن" استخدما هذا المصطلح في ميدان العلوم السياسية وهذا عندما نشرا كتابا يحمل عنوان: "إعادة اكتشاف الهيئات" الذي نشر عام 1989 في الو.م.أ وتساءلا من خلاله الباحثان عن كيفية تحديث المنظمات وتكييف الإستراتيجية الجديدة طبقا لتوازن القوى الحاصل في تلك الفترة وربط ذلك كله برشادة الحكم.
ومنذ ذلك الحين أصبح لهذا المفهوم دور كبير خاصة في التصنيفات الممنوحة لكافة الدول في تحقيقها لآليات الحكم الراشد ومن ثم أصبح له معايير تقيم على أساسها الدول وخاصة لدى صندوق النقد الدولي الذي يركز عليه كثيرا حتى في ربط مساعداته للدول النامية بتحقيق شروط الحكم الراشد.
فيقصد بالحاكمية أو الحوكمة إذن أسلوب وطريقة الحكم الجيدة، كما يعني أيضا التسيير الجيد لشؤون منظمة ما قد تكون دولة أو هيئة وطنية أو عالمية، ليكون الهدف من وراء ذلك تحقيق الفعالية والنجاعة.
وقد عرٌف البنك العالمي سنة 1992 الحكم الراشد بأنه: الطريقة المثلى التي يمارس بها السلطة لأجل تسيير الموارد الاقتصادية والاجتماعية لدولة من الدول. ومنه يمكن القول أن الحكم الراشد طبقا لهذه الهيئة ربطت مفهوم الحكم الراشد بعناصر أخرى محققة لنجاحه ومنها: الاستقرار السياسي للدولة وحماية وترقية حقوق الإنسان وتكريس سيادة القانون.
ومن جهة أخرى، ما هي العلاقة بين مفهوم الحكم الراشد والتنمية؟ إن الإجابة على هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر وهو ما مدى توفير آليات الحكم الراشد في دولة من الدول لكي يمكن الحكم لها أوعليها في توفير تنمية مستديمة، لذلك فمن منظورنا أن الحكم الراشد يسير جنبا إلى جنب مع مفهوم التنمية والتي تعني بالأساس توسيع خيارات الناس نحو تحقيق مطامحهم ومداركهم ولذلك لا تستقيم تنمية شاملة ومستديمة بدون توفير الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها مفهوم الحكم الراشد.
2-آليات الحكم الراشد:
لقد أسست المنظمات العالمية النشطة في مجال تقييم الدول على أساس قوتها من ضعفها، ومن بين أهم الآليات التي تعتمدها في هذا الشأن ما يلي:
1) المشاركة: وتعني حق الرجل والمرأة معا في إبداء الرأي في المجالس المنتخبة محليا ووطنيا، ويتطلب عنصر المشاركة توفر حرية تشكيل الجمعيات والأحزاب والحريات العامة والانتخاب، والهدف من كل هذا هو السماح للمواطنين بالتعبير عن أرائهم واهتماماتهم لترسيخ الشرعية.
2) حكم القانون: ويعني سيادة القانون كأداة لتوجيه سلوك الأفراد نحو الحياة السياسية بهدف منع تعارض مهام المسؤولين فيما بينهم وبين المواطنين من جهة أخرى ووضوح القوانين وانسجامها في التطبيق.
وأكثر من ذلك فهو يعني استقلال الهيئة القضائية عن الهيئتين التنفيذية والتشريعية، ومن جراء ذلك عند تحقيق هذه الآلية تؤمن هذه القواعد وبالتالي يرتقي درجة المواطنة إلى مفهوم المساواة بين المواطنين.
3) الشفافية: وتعني فسح المجال أما المواطنين بالتعرف على المعلومات الضرورية التي تهم شؤون حياته، مثل حق المواطن في الإعلام ومشاركة المواطنين ومساهمتهم في رقابة المجالس الشعبية والوطنية والمحلية في الإطلاع على محاضر الجلسات التي تعقد دوريا في مجالسهم، والهدف من وراء ذلك هو العمل على مشاركة المواطنين في إبداء الآراء على المهام.
4) المحاسبة: تتطلب المحاسبة أو المساءلة القدرة على محاسبة المسؤولين عن إداراتهم للموارد العامة وعن المهام الموكلة إليهم وعن النتائج المتوصل إليها ضمن مسارهم الوظيفي وعن المسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقهم، والهدف من المساءلة هو محاسبة المسؤولين عن الأموال العمومية زيادة على حماية الأموال العمومية من العبث الذي قد يطال هذه الأموال وبالتالي الحد من الانتهاكات التي قد تحدث من حين لآخر لبعض المسؤولين نتيجة تصرفهم بطرق غير شرعية وهذا مصداقا لمقولة: من أين لك هــذا؟
3- واقع التنمية والحكم الراشد في الجزائر: في حقيقة الأمر يكاد يجمع المهتمون بالشأن الجزائري أن الآليات والأسس التي يرتكز عليها الحكم الراشد ليست محققة إلى حد بعيد في الجزائر، فهذه الآليات عندما نريد إسقاطها في الجزائر وخاصة ما يتعلق منها بالمشاركة السياسية فهي مفتوحة للجميع على الأقل فيما هو مكرس في الدستور وهو الحق في إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي.
أما من ناحية حكم القانون فلا يمكن الجزم بأن هذه الآلية مطبقة بحذافيرها حيث مازالت العلاقات القربية والعشائرية تسود مختلف أشكال التوظيف هذا من جهة وكذلك التلاعب بالصفقات العمومية لاسيما في منح المشاريع ذات الطابع الاقتصادي للشركات العمومية والخاصة من جهة أخرى.
أما فيما يتعلق بمفهوم الشفافية التي هي نتيجة منطقية لأساس حكم القانون، فبالرغم من وجود مراكز متخصصة في إصدار ونشر بيانات حول ما تتوفر عليه الجزائر وفي حق المواطن في الإطلاع على المعلومات، فمازالت الجزائر بعد لم تصل إلى هذا المستوى.
لكن هذا لا يمنعنا من ذكر بعض المزايا الإيجابية التي حققتها الجزائر للوصول إلى مفهوم الحكم الراشد خاصة فيما يتعلق من الناحية الاقتصادية أين تتوفر البلاد على وفورات مالية كبيرة لاسيما احتياطي الصرف الذي بلغ نهاية جوان 2008 ما قيمته 133 مليار دولار وصندوق ضبط الإيرادات الذي قارب 4000 مليار دينار، بالإضافة إلى المخطط الخماسي لدعم النمو الاقتصادي والذي صرف منه لحد الآن 150 مليار دولار حسب آخر الإحصائيات.
كما يمكن تسجيل بعض المشاريع الواعدة في تنمية المناطق المعزولة منها على الخصوص مشروع الطريق السيار شرق – غرب وصندوق تنمية مناطق الهضاب العليا وصندوق الجنوب.
ومن الناحية السياسية يرى بعض الباحثين في هذا الشأن أن الجزائر فتحت ورشات كبيرة على المجتمع منها : إصلاح هياكل الدولة وإصلاح العدالة وإصلاح التربية والتعليم وهذا كله لتمكين أفراد المجتمع من المشاركة طواعية في تنمية البلاد وبالتالي عندما نقوم بتحليل بعض هذه الإنجازات التي قامت بها السلطات العمومية يمكن القول أن توفير الجوانب السياسية والإجتماعية والاقتصادية في إطلاق هذه المشاريع كفيل بتحقيق متطلبات الحكم الراشد.
والجزائر في هذا الشأن خطت خطوات كبيرة نحو الأحسن فيما يخص توسيع المشاركة السياسية واحترام الإرادة الشعبية وترقية حقوق الإنسان وإيجاد نوع من الإنسجام داخل الهيئات المنتخبة، لكن ما يعاب في كل هذا هو غياب وتغييب مبادئ الشفافية والتسيير العقلاني للموارد والتي ما زالت تشكل نقاطا سوداء كلما أردنا الحديث عن توجيه جهود التنمية في الجزائر، كيف لا والفساد والتبذير والرشوة أو غيرها أصبحت بمثابة قواعد عامة تسير عليها معظم هيئاتنا المحلية والوطنية.
فبالرغم من إصدار قانون يترجم نصوص الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في 2006 والذي قامت الجزائر بوضع جملة من التدابير الرامية لمواجهته، كما قامت أيضا بإصدار مراسيم تطبيقية تحدد تشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وكذا كيفية سير هذه الهيئة.
كما تتمتع هذه الهيئة بالشخصية المعنوية واستقلالية الذمة المالية وتقدم تقارير سنوية عن الظاهرة المستفحلة في الجزائر إلى رئيس الجمهورية.
زيادة على كل هذا قامت الجزائر بإصدار عدة مراسيم رئاسية لمواجهة هذه الظاهرة والحد منها وعلى سبيل المثال لا الحصر قانون مكافحة غسيل الأموال والذي صدر في 05/04/2005 والذي جاء بعد المخلفات الكارثية التي أحدثها بنك الخليفة بعمليات اختلاس وفساد مالي كبير.
وبالنظر إلى هذه الإجراءات التي قامت بها السلطات العمومية نلاحظ أنها غير فعالة وتنتظر وجود آليات فعلية للحد منها حيث لازالت الظاهرة مستشرية في معظم مؤسساتنا الاقتصادية وهيئاتنا الإدارية العامة بل أصبحت هذه الظاهرة لصيقة أكثر بهذه المؤسسات، وما التقارير السنوية التي تصدرها الهيئات الدولية في هذا الشأن كفيلة باستقراء الواقع الجزائري والتي تصنف الجزائر في مراتب أخيرة، فاخر تقرير صدر عن المنظمة الشفافية الدولية في هذا العام منحت الجزائر الرتبة 192 من مجموع دول العالم وبنقطة 2,5 من 10.
ونتيجة لذلك تم إنشاء الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد والتي هي فرع من منظمة الشفافية الدولية والتي تقوم ببذل جهود معتبرة في مجال مكافحة الفساد والتشهير به، والتي أعدت تقارير عن الظاهرة مؤكدة على خطورة الوضع في الجزائر وهذا جراء الانتشار الواسع لكافة أشكال الفساد .
4- تصور حكم راشد وتنمية حقيقية في الجزائر:
1) النهوض بالعامل البشري:
إن الاستثمار في المورد البشري أصبح ضرورة ملحة لكافة الهيئات والمنظمات العالمية وبالتالي أصبح ينظر إليه كقيمة مضافة وتحقيق ناتج وطني وليس تكلفة اجتماعية ملقاة على المنظمة الإدارية، وتطور هذا المفهوم من إدارة الأفراد إلى الموارد البشرية إلى مفهوم آخر ألا وهو تنمية المورد البشري. فلم يعد يقتصر مما سبق على التعليم والتدريب بل امتد إلى مفاهيم أخرى مثل : تطوير أنماط التفكير والسلوك ونوعية التعليم ومشاركة المجموع في اتخاذ القرارات والعلاقات الاجتماعية وطرق وأساليب العمل ومن ثم تعبئة الأفراد والعاملين نحو توسيع مجالات تفكيرهم وزيادة قدراتهم على التحكم فيها.
وبخصوص الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال التكلم عن المفهوم الجديد للموارد البشرية ما دامت مؤسساتنا لم تلتحق بعد بالتقدم الحاصل في الدول المتطورة أين نجد كل الوسائل المتاحة لدى الفرد العامل والتعبير عنها بكل حرية وأين نجد التكفل التام بهذا العامل المحقق للإنتاجية. كما ينظر إليه على أنه القاطرة الأساسية لجميع الإصلاحات، بالمقارنة مع ذلك ما يمكن قوله في الجزائر فلكي نكون موضوعيين بعض الشيء فبالرغم من إصرار السلطات العمومية على التكفل بهذا العنصر وتوفير الوسائل المادية والمالية من أجله لكن لم نلاحظ أثر ذلك على تنميته نفسيا واجتماعيا واقتصاديا بتحقيق درجة الإشباع والدليل على ذلك الإحصائيات السنوية المقدمة من هنا وهناك حول حالة الإحتقان التي يعيشها المئات من إطارات الدولة وحول الميزانية المقدمة للبحث العلمي التي لم تتجاوز 1% في أحسن الأحوال.
فمجال الإهتمام ينصب إذن على جانب الإنفاق الاستثماري في مجال الموارد البشرية، فيكاد يجمع الباحثين في هذا المجال على أهم مجالات الإستثمار في هذا المورد تكمن في التعليم والتكوين والتدريب باعتبار هذه العناصر مجتمعة تحقق فوائد ونتائج على المديين المتوسط والبعيد للفرد والمؤسسة.
وبذلك لزم الإهتمام بهذا المورد أكثر وأكثر للحاق بالدول المتطورة ومن ثم تحقيق تنمية حقيقية للبلاد.
2) تقريب المواطن بالإدارة:
إن الإتصال وقرب المواطن من الإدارة هو السبيل الوحيد لبناء أسس الحكم الراشد فللقضاء على المشاكل الإجتماعية التي يتخبط فيها المواطن في انعدام المرافق العمومية وعدم نجاعتها يكمن في إيضاح علاقات التعاون والإتصال بين المواطن والإدارة، ومنه لا يمكن تصور إدارة بدون علاقات اتصال وقرب مهما كان مستوى تلك الإدارة، لذلك فالهدف الأساسي الذي وجد من أجله الجهاز الإداري عموما هو تلبية رغبات الجمهور وتأمين أفضل الخدمات له، ولما كان ذلك المبتغى فإنه من حق المواطن أن يراقب ويطلع على أداء الجهاز الإداري محليا ووطنيا وذلك بإدلاء رأيه بواسطة المجالس الشعبية المحلية والوطنية التي انتخب فيها، فلذلك ينبغي فتح فضاءات للتفكير والتصور والتقييم والمراقبة لكل ما يتعلق بالعلاقات الداخلية بين المواطنين وذلك قصد تكريس مبدأ الشفافية في التعاملات وهذا لتجاوز الأساليب الكلاسيكية في التسيير وتقديم خدمات ترضي قاصدي تلك المكاتب قصد تطوير إدارة رشيدة يكون المواطن المساهم الحقيقي فيها.
كما يمكن تقريب الإدارة من المواطن كذلك من خلال العمل على ترقية ثقافة تسيير جيدة تحكمها معايير وأنظمة ومبادئ وقيم جديدة منها المردودية والإنتاجية والقدرة التنافسية والكفاءة والإحترافية من جهة، وبناء قواعد واضحة لإشراك مختلف الفواعل في رسم السياسات وصياغتها من جهة أخرى.
3) ترسيخ روح الديمقراطية والمشاركة السياسية:
و هذا من خلال إسهام الأحزاب السياسية في بلورة النقاشات التي تدور داخل المجموعة الوطنية وهذا باحترام الرأي ومراعاة المصلحة العامة، ولا يمكن بلوغ ذلك إلا من خلال إضفاء الرقابة الشعبية التي تتولاها المجالس المنتخبة بشكل حر ونزيه وهذا بتحقيق مكاسب المواطنين.
4) توفر مجتمع مدني فعال:
إذ أن حيوية المجتمع المدني تكمن في قدرته على تأطير المواطنين للعمل الطوعي والمشاركة في التنمية الحقيقية للبلاد، فما هو مطلوب من المجتمع المدني في الجزائر هو السماح لهذه الجمعيات ودعمها بكافة الوسائل نحو هيكلة الفرد وهذا بهدف إشراك المواطن في العمل المشترك في تنفيذ المشاريع مع الأجهزة الرسمية في إطار صنع السياسات المحلية و إضفاء الرقابة و المشاركة في تنفيذ المشاريع.
5) وجود فواعل حقيقية تشترك فيها الصحافة الحرة والتنظيمات المهنية:
فالسلطات المنتخبة التي تتولى تنظيم وتسيير المجالس المحلية بطريقة شفافة تؤدي إلى تفعيل العوامل المشتركة نحو مفهوم الحكم الراشد الذي يتطلب النزاهة في التسيير وحياد الإدارة وغرس روح المبادرة والشعور بالمسؤولية و التزام المسؤول بتقديم الحساب على المهام الموكلة إليه.
6) تطبيق مبدأ الشفافية في التعامل:
وهذا بإلزامية استقلال الهيئة القضائية عن الهيئتين التشريعية والتنفيذية وفتح نقاشات واسعة بين مختلف الفاعلين حول ظاهرة الفساد المستفحلة في شتى الهيئات الرسمية للبلاد، وقصد التخفيف منها لزم تحسين أجور الموظفين العموميون وإقرار مبدأ العدالة في التوزيع لتنشيط برامج التنمية.
الخاتمة:
من خلال ما قلناه سابقا يمكننا الخروج ببعض النتائج منها:
1) أن الحكم الراشد هو الدعامة الأساسية لبلوغ التنمية الشاملة، كما أن تحقيق التنمية يستدعي قيام أسس وآليات للحكم الراشد أو الحوكمة لذلك ربطته الكثير من المنظمات الدولية وخاصة المانحة للمساعدات بتوفير شروط الديمقراطية وترقية حقوق الإنسان.
2) إن هناك آليات وأسس ضرورية تضبط مفهوم الحكم الراشد من بينها: الشفافية وحكم القانون والنزاهة والتسيير الجيد.
3) يجمع أغلب المهتمين بالشأن الجزائري أن البلاد لم تستكمل بعد آليات التنمية بالمفهوم الحقيقي وهذا لا يعني بالمقابل أن قطار التنمية متوقف بل أن الجزائر فتحت ورشات للتنمية من الناحية السياسية كإصلاح قطاع العدالة وهياكل الدولة والتربية ومن الناحية الاقتصادية تحقيق مزيد من الوفرات المالية، إلا أن الجانب الأكبر يبقى يميز المشهد الجزائري هو اعتماده على البترول كمصدر واحد ووحيد للثروة زيادة على اعتبار آخر هو انتشار الفساد وبكل أشكاله ما ولد ضغوطات اجتماعية بسبب الفقر والبطالة والتهميش.
4) يمكن أن يستقيم حكم راشد أو تنمية حقيقية من منظورنا في الجزائر انطلاقا من النهوض بالموارد البشرية وربطها بالمعرفة والتكنولوجيا ثم توسيع المشاركة السياسية وحرية التعبير وكذلك فتح نوافذ على المجتمع المدني والحركات الجمعوية وتوصيل قنوات الحوار بين الإدارة والمواطن إضافة إلى تطوير القدرات الإدارية وهذا كله لتوجيه هذه الفواعل لمتطلبات التنمية المنشودة.
0تعليقات